من ربح الحرب الإعلامية في أحداث غزة؟

من ربح الحرب الإعلامية في أحداث غزة؟
أمينة خيري

تظل تغطية حرب القطاع منقوصة بعدما غلبت عليها دراما العنف والكارثة الإنسانية وتراجيديا القتل والاعتداء والدمار ومنصات الـ"سوشيال ميديا" تتحول إلى حلبة موازية.

مرّ عام على شن "حماس" عملية "طوفان الأقصى" التي وصفتها الحركة بأنها "كانت خطوة ضرورية واستجابة طبيعية لمواجهة ما يُحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف القضية الفلسطينية". مرّ عام على العملية التي صدمت العالم بأطراف نقيضه الأيديولوجي والسياسي والإنساني جراء ما تابع عبر الشاشات بأنواعها. مرّ عام على اندلاع حرب ضروس تابع سكان الأرض جزءاً معتبراً من بداياتها عبر أعين صحافيين وصحافيات ومؤثرين ومؤثرات وحتى أطفال من أهل غزة قرروا في الأسابيع الأولى من اندلاع الحرب أن يكونوا أعين البشرية لما يجري في غزة.

في تلك الأسابيع، نشط الجانب الآخر عبر المقاطع المصورة والتغريدات والتدوينات والصور الفوتوغرافية لتسليط الضوء على ما جرى من هجمات منسقة على قواعد عسكرية وتجمعات سكانية وفعاليات اجتماعية إسرائيلية في مناطق متاخمة لقطاع غزة جنوب إسرائيل.

هذه الأسابيع شهدت كذلك تغطيات مكثفة عبر الشاشات والمواقع الإخبارية التقليدية من نشرات الأخبار والأخبار العاجلة والفقرات الحوارية مع خبراء الأمن والحرب والاستراتيجيات القتالية والتاريخ والجغرافيا جميعها غلبت عليه متابعات حرب القطاع. وبقيت المصادر في معظمها صحافيين ومراسلين فلسطينيين في القطاع، أو عرباً وأجانب خارج القطاع.

سارت أمور التغطية الحية "على ما يرام" (بالمقاييس الإعلامية) إلى أن اشتدت حدة استهداف الطواقم الإعلامية من قبل الجانب الإسرائيلي، فأخذت أعداد المراسلين والصحافيين وجميعهم من سكان غزة في التقلص تدريجاً.

أما الصحافيون الأجانب في أرض المعركة، فجرى منعهم من التغطية باستثناء زيارات معدودة على أصابع اليد الواحدة ينظمها الجانب الإسرائيلي لممثلين عن مؤسسات إعلامية أجنبية لأهداف محددة، أبرزها عرض ما تقول إسرائيل إنه أنفاق جديدة اكتشفتها، أو أمارات على ما تصفه بأنه وجود لمقاتلي "حماس" في أماكن نزوح المدنيين وغيرهما. وحتى في هذه الزيارات القليلة، تشترط السلطات الإسرائيلية على الصحافيين عرض المادة على رقيب إسرائيلي قبل نشرها.

لذلك تبقى التغطية الإعلامية للحرب بمعناها التقليدي، فالصحافيون مصنفون بأنهم لا يدعمون أيّاً من طرفي القتال، إضافة إلى أقرانهم من المنتمين إلى الطرفين المتقاتلين، غائبة عن حرب غزة طوال عامها الأول.

عبر أعين المراسلين

على مدى عام، يشاهد العالم ويتابع تغطيات الحرب عبر أعين المراسلين الذين يصادف أنهم فلسطينيون، يعملون في قنوات عربية وغربية، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف تعريفات وحدود الخط الفاصل بين المهنية والعاطفة في تغطية كتلك بين مراسل عربي وغير عربي!.

وعلى رغم اختلاف التعريفات والحدود، فإنه يلاحظ اهتمام غربي واضح بتسليط الضوء على ما تعرض له صحافيون خلال تغطية الحرب على مدى عام، فلجنة حماية الصحافيين (مؤسسة مستقلة مقرها نيويورك) تقول إن ما لا يقل عن 116 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام قتلوا حتى الـ 13 من سبتمبر (أيلول) 2024 منذ بدء الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتضيف أن هذا العدد يجعلها الفترة الأكثر دموية للصحافيين منذ بدأت اللجنة عملها في جمع البيانات عام 1992.

عام على حرب القطاع أثبت أن أحد أبرز عناصر الخبر هو الصحافي الذي كان يفترض أن يكون ناقلاً له. الصحافي الفلسطيني يظل على مدى عام مكوناً خبرياً ومادة للتحليلات ومنصة للحوارات، وإن تضاءل وجوده على الشاشات لأسباب تتعلق بقواعد التغطية التي يهيمن عليها في هذه الحرب طرفا نقيض.

النقيض الأول هو السلطات الإسرائيلية التي منعت الوجود الإعلامي في داخل القطاع باستثناء رحلاتها المنظمة لمؤسسات بعينها ومحتوى حاصل على موافقة أمنية، إضافة إلى بروباغندا عنكبوتية محكمة تتحكم فيها الحكومة الإسرائيلية، والنقيض الثاني خليط من التغطيات والتحليلات المتراوحة في درجات الموضوعية والمهنية والعاطفية على شاشات عربية وغربية.

وعلى رغم همهمات جماعات الدفاع عن الحرية التعبير والصحافيين والصحافة، ودمدمات رسمية وأممية تنتقد غياب التغطية من داخل القطاع، تظل تغطية حرب القطاع منقوصة.

صحيفة "بوليتيكو" أشارت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى أن الحكومة الإسرائيلية شنّت حملة "إعلانات" واسعة النطاق عبر مواقع ومنصات الإنترنت والـ"سوشيال ميديا" المختلفة، معظمها موجه إلى الدول الغربية لحشد الدعم لردها العسكري على عملية "حماس". آلاف من المقاطع المصورة والصور الفوتوغرافية والتغريدات تملأ الأثير، وتؤثر في كل من الرأي العام الغربي وكذلك التوجهات الرسمية، ومعظمها موجه أصلاً.

نظرة سريعة على الحرب على مدى عام عبر عين الإعلام السحرية تشي بأن دراما العنف والكارثة الإنسانية والتراجيديا المتمثلة في القتل والاعتداء والدمار والخراب هي المسيطرة، وهذا طبيعي. وهي بالطبع تسيطر على المنصات الإعلامية بأنواعها، سواء تلك التي ترى أن إسرائيل ورهائنها الطرف المعتدى عليهما، أو أن غزة وحالياً الضفة الغربية وسكانها الطرف المعتدى عليهم.

صحيح أن مقدار العنف وطول أمده وقوة الآلة العسكرية وعداد القتلى والجرحى يرجح كفة الطرف الفلسطيني باعتباره الأكثر تضرراً، إلا أن تحديد المنتصر والمهزوم في الحرب الإعلامية الدائرة على هامش حرب القطاع لم يحسم بعد، وعلى الأرجح لن يحسم إلا بعد توقف الحرب بأشهر.

المكون العاطفي

المكون العاطفي في تغطية حرب القطاع هو الأبرز. ولعلها الحرب الأكثر نأياً بنفسها، من دون انتقادات تُذكر، بعيداً من كلاسيكيات وأساسيات تغطية الصراعات والحروب. ولا مجال هنا للحديث عن المسافة العاطفية والشخصية التي يجب أن يحافظ عليها الصحافي بينه والقوات المسلحة التي يرافقها في الحرب، أو حتى الجماعة المسلحة التي وافقت على وجوده بينها، أو التذكرة بأن يدع المراسل مشاعره الإنسانية جانباً، إلى آخر القواعد والنصائح الأخلاقية للمراسلين المتخصصين في تغطية الحروب والنزاعات.

في المدونة الخاصة بها، كتبت أستاذة الاتصالات الاستراتيجية والمشاركة العامة في قسم الإعلام والاتصالات في كلية لندن للاقتصاد لي إدواردز في نهاية العام الماضي أنه يحق بكل تأكيد للأطراف أن تتحدث عبر منصات الإعلام عن حزنهم وخوفهم وصدمتهم وخسارتهم، لا سيما حين تكون الحرب الدائرة "إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية" بحسب شهادات عاملي إغاثة كثيرين. لكن حين تقتصر الرواية عبر الشاشات على الصدمة والخسارة، فإن ذلك يحدّ من قدرة الإعلام، بالتالي الرأي العام والحكومات من التطرق والتخطيط للآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك الإنسانية الطويلة المدى لهذه الحرب.

وأضافت أن "التغطية الإعلامية للصراع يجب أن تقوم بدور داعم في الدعوات المستمرة إلى وقف إطلاق النار ووضع حدّ لمقتل المدنيين الأبرياء، لكنها في انجرافها وتركيزها على هذا الدور فقط تحت ضغط فداحة ما يجري، توجه الأنظار نحو حقائق وزوايا محددة، وتحجب أخرى ربما من دون قصد".

وتماماً كما يجري التركيز الإعلامي على العنف والقتل والدمار الذي يواجه الفلسطينيين في هذه الحرب، فإن المنظور الإسرائيلي للحرب، كما تشير إدواردز، يتمثل في ما يقول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والجيش الإسرائيلي وعائلات الرهائن وأسر من قتلوا منهم. وفي هذا السرد الإعلامي، أصبحت سرديات "الضحايا" الإسرائيليين جزءاً لا يتجزأ من الحرب من وجهة نظر إسرائيلية، في الأقل كما يجري بثها عبر الإعلام والمنقولة إلى بقية العالم.

وعلى مدى هذا العام، بزغ نجم سؤال على منصات الإعلام الغربي، وصفه بعضهم بـ"الضرورة" و"الحتمي"، ووصمه الفريق الآخر بـ"المستفز" و"الفاضح". Do you condemn Hamas? "هل تدين ’حماس‘؟".

آلاف المقابلات والمداخلات والحوارات التي عجّت بها الشاشات والأثير بأنواعه، يسأل المذيع ويجيب الضيف. وتأتي الإجابة غير كافية، أو منقوصة، أو مشبوهة، أو تفتقد الجانب الذي تبحث عنه المنصة الإعلامية الغربية. يقول الضيف، أي ضيف، إن الصراع عمره أكثر من سبعة عقود، وأن لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين حقوقاً وواجبات، ويقاطعه المذيع بسرعة "لكن هل تدين ’حماس‘؟"، ويقول الضيف الآخر، أي ضيف آخر، إن إسرائيل دولة محتلة ومعتدية وإن سلب الحقوق واحتلال الأرض وحرمان البشر من أدنى أساسيات الحياة لا يجوز. يسارع المذيع قائلاً "لكن هل تدين حماس؟"، ويرى ضيف معروف بدعمه إسرائيل أن الرد الإسرائيلي فاق الفعل الفلسطيني، فيدق الضيف على الطاولة، ويستسمحه في المقاطعة "حسناً سيدي، يمكننا أن نناقش ذلك، لكن هل تدين ’حماس‘؟".

لقد كان عاماً مليئاً بـ"هل تدين ’حماس‘؟" على المنصات الإعلامية الغربية، لا سيما في الأشهر الأولى. وجانب من هيمنة هذا السؤال يعود للوثاق اليهودي (وفي أقوال أخرى الإسرائيلي) الغربي، وهو الوثاق المستثمر فيه جيداً من قبل اللوبي اليهودي، أو النفوذ اليهودي المنظم والفاعل في غالبية هذه الدول الذي يؤثر في البنية والسياسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالطبع الإعلامية تأثيراً شديداً.

في هذه الحرب، وعلى غير العادة، يخفت قليلاً الحديث عن تأثير ملكية رجال الأعمال واللوبي اليهودي لوسائل الإعلام الغربية الكبرى، ومن ثمّ التحيز الشديد إلى الجانب الإسرائيلي. الشد المزمن بين فريق يتهم وسائل الإعلام الغربية الرئيسة والأكثر تأثيراً بالانحياز إلى إسرائيل على حساب العرب، لا سيما الفلسطينيين وقضيتهم من جهة، والجذب من قِبل الفريق الآخر المؤكد أن خطاً فاصلاً يحدّ بين الملكية والإدارة وأن الإعلام (الغربي) يخضع لمعايير مهنية صارمة لم تظهر بصورة متكررة على مدى العام.

منافسة التقليدي والجديد

إضافة إلى المنافسة الشديدة والقوية للإعلام التقليدي من قبل الـ"سوشيال ميديا" باعتبار الأخيرة مصدراً للأخبار والمتابعات في هذه الحرب، تشير متابعات ورصد تحليلي إلى أن الانحياز إلى الجانب الإسرائيلي في وسائل الإعلام الغربية حدث بالفعل في الأسابيع الأولى للحرب، إذ هيمن الحديث عن "الفظائع التي ارتكبتها ’حماس‘، والقتل والذبح والعنف للأبرياء المدنيين وغيرها"، ثم يبدو أن حجم العنف الإسرائيلي غير المسبوق أجبر أو ربما فرض نفسه على السرديات الإعلامية الغربية إلى حد كبير.

وتحليل كمي للصحف والمواقع الخبرية الأميركية الكبرى، والمعروفة بتشكيلها الرأي العام الأميركي، لا سيما في ما يختص بالصراع العربي - الإسرائيلي، أظهر تركيزاً شبه كامل في الأسابيع الستة الأولى للحرب على "فظائع "حماس" و"ضحايا وخسائر" إسرائيل.

وبحسب التحليل الذي أجرته مؤسسة "ذا إنترسبت" الأميركية الإعلامية في يناير (كانون الثاني) الماضي، فقد كثير من وسائل الإعلام الأميركية المطبوعة اهتماماً كبيراً لآثار الحصار غير المسبوق الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، وقصف الأطفال والصحافيين.

يشار إلى أن الإعلام الغربي، بصورة عامة وباستثناءات معروفة، يميل تاريخياً إلى دعم الجانب الإسرائيلي في الصراع، فهناك اعتماد أكبر على المصادر الإسرائيلية والخبراء المنحازين بدرجات متفاوتة لها، ويضاف إلى ذلك ضعف تاريخي لحضور عربي أو لوبي عربي قادر على الضغط والتأثير والتوجيه. ولا بد من الإشارة إلى إصرار عربي أيضاً على مخاطبة النفس وتبادل النقاش مع الذات وتنظيم وإطلاق الحملات الإعلامية والتوعوية من العرب وإليهم، مع بقاء الخطاب العربي الموجه إلى غير العرب مستخدماً الثقافة العربية المائلة إلى العاطفة في الإقناع والحجة والبرهان، وإن كان بلغات أجنبية.

خلاصة القول إن التغطية الغربية الانتقائية للصراع العربي - الإسرائيلي غالباً ما تؤتي ثمارها في اندلاع الصراع والحرب بين الطرفين، إذ يعضد هذا الانتقاء من الادعاءات الإسرائيلية المعتادة التي تتمركز إما حول أنها ضحية، أو اضطرارها إلى الدفاع عن النفس.

بعد مرور عام على حرب القطاع، يمكن القول إن فداحة الواقع ومجاهرة المنظمات الأممية والإغاثية (غير المنحازة) بالفظائع الإسرائيلية انعكست لمصلحة أهل غزة، وإن بقي ما في القلب في القلب.

وحديث القلوب يسلط الضوء كذلك في هذه الحرب على المنصات الإعلامية العربية التي لا تحظى بالتأثير الدولي مقارنة بقريناتها الغربية. والغالبية المطلقة، باستثناءات تقل عن أصابع اليد الواحدة، من المؤسسات الإعلامية العربية تغطي حرب القطاع تغطية عربية موجهة للمشاهد العربي.

كتلة متناغمة

والمشاهد العربي هنا هو تلك الكتلة الواحدة المتناغمة المتناسقة التي لا تشوبها شائبة واحدة تتعلق بأي الجبهتين المتصارعتين يناصر أو يؤيد، أو هكذا يُفترض. والتغطية الإعلامية العربية لحرب القطاع على مدى عام أقرب ما تكون إلى التطابق، باختلافات طفيفة، تتعلق بدرجات المهنية والقدرات المادية، وكذلك مقادير متفاوتة من اختلاف السياسات من دولة إلى أخرى. على سبيل المثال لا الحصر، عوامل مثل درجة القرب أو البعد من حركة "حماس"، درجة قبول إسرائيل كدولة ولو بنظام "الأمر الواقع" صنعت اختلافات طفيفة في التغطية العربية، مع بقاء عنصر الدعم الكامل لسكان غزة المدنيين غير قابل للنقاش أو التسييس.

والنقاش والتسييس وتسيير الدفات وقلب الحقائق أو ضبطها، ونشر الأخبار الكاذبة أو نصف الكاذبة، وتوجيه الرأي العام دعماً لهذا الطرف أو معاداة لذاك تبقى مهمة الـ"سوشيال ميديا" الرئيسة، سواء كانت بهدف صناعة الـ"ترند" وركوب موجة الحرب الضروس لجذب مزيد من الـ"فولوورز" وتحقيق قدر أوفر من الربح، أو كونها مهمة ذات غايات سياسية أو عقائدية أو ما شابه، تهدف إلى الفوز بحرب المعلومات.

وبعد مرور عام على اندلاع حرب القطاع، يمكن القول إن إسرائيل غارقة حتى أذنيها في محاولات كسب حرب الـ"سوشيال ميديا" لجذب الرأي العام العالمي، في حين يبدو أن الجزء الأكبر أو في الأقل الأكثر وضوحاً في الرأي العام العالمي جرى تكوينه بفعل نشطاء ومواطني القطاع.

وأشارت صحيفة "بوليتيكو" بعد أيام من اندلاع الحرب في أكتوبر 2023 إلى أن "إسرائيل تغرق وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لتشكيل الرأي العام حول الحرب". وقالت إن هناك اتجاهاً حديثاً واضحاً من قبل عدد من حكومات دول العالم للتحرك بقوة على المواقع ومنصات الـ"سوشيال ميديا" لتشكيل صورتها، بالشكل الذي تحبه، لا سيما في أوقات الأزمات.

وأضافت أنه على رغم أن ممارسة فنون العلاقات العامة والتسويق في الحروب ليس أمراً جديداً، "فإن شراء إعلانات على الإنترنت تستهدف دولاً وفئات سكانية محددة أصبح أحد الأدوات الرئيسة التي تستخدمها الحكومات لإيصال رسائلها إلى مزيد من المتلقين حول العالم".

إعلام "حماس"

في المقابل، فإن إعلام "حماس" على المنصات العنكبوتية شهد زيادة رهيبة في أعداد المتابعين ومن تملكهم حب الاستطلاع. وبعيداً من مغامرات الكر والفر على الـ"سوشيال ميديا"، حيث "حجب محتوى يروج للعنف" لأنه ذكر كلمة "فلسطين" أو "حماس" أو "المدنيين في غزة" مثلاً، أو تطبيق "معايير المجتمع" التي سنّها هذا التطبيق أو ذاك على طرف بعينه ومناصريه، إلا أن استخدام حركة "حماس" للإعلام بجناحيه التقليدي والـ"سوشيال ميديا"، يبقى على رغم سخونته وحجم الإثارة فيه إعلاماً عسكرياً هدفه التعبئة والتوجيه والتهديد والوعيد.

بعد عام من حرب القطاع وبعيداً من "من الظالم؟" و"من المظلوم؟"، ومن "المعتدي؟" و"من المعتدى عليه؟"، يظل الطابع التعبوي الجهوري التهديدي مسيطراً على إعلام "حماس"، وهو الطابع الذي يشير بعضهم إلى حاجته الماسة للترجمة إلى لغة فكرية وأساليب ثقافية يفهمها غير العرب، وليس الترجمة من العربية إلى لغات الأرض.

ماذا تبقى من غزة بعد تدميرها؟

اللافت أن المحتوى الذي وصل إلى من يتحدثون بلغات الأرض، ومن دون شرط الترجمة هو ذلك الذي صنعه أهل غزة وأطفالها. ويمكن القول إن المحتوى المتمثل في فيديوهات وصور وتغريدات وتدوينات أهل غزة، لا سيما في الأشهر الأولى من الحرب، صنع ووجّه وثقّف ووعّى الرأي العام في ربوع الأرض.

لا يقف الرأي العام العالمي بالضرورة على قلب أو تدوينة أو تغريدة أو صورة مستخدم غزي واحد، ولكن ما بثه هؤلاء صنع كل الفرق أو معظمه لدى الرأي العام العالمي، وكذلك العربي.

وتحولت منصات الـ "سوشيال ميديا" إلى حلبة موازية للحرب الدائرة في القطاع على مدى عام، ولم يكُن هذا هو التحول الوحيد، فقد تحول ملايين المتابعين للـ"سوشيال ميديا" إلى مستخدمين ناشطين، أو نشطين.

من ربح الحرب؟

"تولّي صانعي المحتوى دور مراسل الحرب جعل متابعيهم ومستخدمي الـ(سوشيال ميديا) إلى متفرجين ناشطين. يشاهدون ويفكّرون ويعجبون، وربما يعيدون النشر. يستوعبون ويستجيبون ويضيفون إلى المحتوى حول العنف غير المسبوق"، بحسب وصف الباحثة في الإعلام الرقمي عيوشة تشاليز في ورقتها المعنونة "تصفح المشاعر المتداولة على منصات السوشيال ميديا عن حرب غزة"، والمنشورة في دورية "ذا كايرو ريفيو" التابعة للجامعة الأميركية في القاهرة (2024)، وتشير إلى أن متابعة الحرب عبر الـ"سوشيال ميديا" يسّرت على المستخدمين حول العالم الدخول في هذه الحرب والاهتمام بها والحديث عنها على نطاقات أوسع.

من ربح حرب الإعلام على مدى عام؟، فقد ربحتها إسرائيل وإعلامها التقليدي والرقمي، الرسمي والشعبي، من وجهة نظر المتابعين المؤيدين لها. ومن منظور كل مؤيد للقضية الفلسطينية وللحق الفلسطيني الأصيل في الأرض والحياة والبقاء، وفي حق سكان غزة في البقاء على قيد الحياة، فإن الرابح الوحيد هو الإعلام العربي بأنواعه وفئاته وجنسياته. وفي نظر المتأرجحين حول القضية ممن صاروا مؤيدين للحق الفلسطيني أو أنصار القضية من نسوها أو أنستهم إياها الأيام والعقود، فإن الرابح إعلامياً بعد عام مضى على حرب القطاع هم صناع محتوى الـ "سوشيال ميديا" من أهل القطاع.


* نقلاً عن إندبندنت عربية
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية